فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ}.
قوله: {وَمَنِ ابتغيت} يجوزُ في من وجهان. أحدهما: أنها شرطيةٌ في محلِّ نصبٍ بما بعدها.
وقوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} جوابُها. والمعنى: مَنْ طَلَبْتَها من النسوةِ اللاتي عَزَلْتَهُنَّ فليس عليك في ذلك جُناحٌ. الثاني: أَنْ تكونَ مبتدأةً. والعائدُ محذوفٌ. وعلى هذا فيجوزُ في من أَنْ تكونَ موصولةً، وأنْ تكونَ شرطيةً و{فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} خبرٌ أو جوابٌ أي: والتي ابتَغَيْتَها. ولابد حينئذٍ مِنْ ضميرٍ راجعٍ إلى اسم الشرط من الجوابِ أي: في ابتغائِها وطَلَبها. وقيل: في الكلامِ حذفُ معطوفٍ تقديرُه: ومَنِ ابتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ ومَنْ لم تَعْزِلْ سواءٌ لا جُناح عليك كما تقول: مَنْ لَقِيَكَ مِمَّن لم يَلْقَك جميعُهم لك شاكرٌ. تريد: مَنْ لَقِيَكَ ومَنْ لم يَلْقَكَ. وهذا فيه إلغازٌ.
قوله: {ذلك} أي: التفويضُ إلى مَشيئتِك أقربُ إلى قرَّة أعينِهنَّ.
والعامَّةُ {تَقَرَّ} مبنيًا للفاعل مُسْندًا ل {أَعْيُنُهُنَّ}. وابنُ محيصن {تُقِرَّ} مِنْ أَقَرَّ رباعيًا. وفاعلُه ضمير المخاطب. {أعينَهُنَّ} نصبٌ على المفعولِ به. وقرئ: {تُقَرَّ} مبنيًا للمفعول. {أعينهُنَّ} رفعٌ لقيامِه مَقامَ الفاعل. وقد تَقَدَّم معنى قُرَّة العين في مريم.
قوله: {كلُّهن} العامةُ على رفعِه توكيدًا لفاعلِ {يَرْضَيْن}. وأبو أناس بالنصب توكيدًا لمفعولِ {آتيتهُنَّ}.
قوله: {لاَّ يَحِلُّ} قرأ أبو عمرٍو {تَحِلُّ} بالتأنيث اعتبارًا باللفظ. والباقون بالياء؛ لأنه جنسٌ وللفصل أيضًا.
قوله: {مِنْ بَعْدُ} أي: مِنْ بعدِ اللاتي نَصَصْنا لك على إحْلالِهِنَّ. وقد تقدَّم. وقيل: مِنْ بعدِ إباحةِ النساءِ المسلماتِ دونَ الكتابيات.
قوله: {مِنْ أزواجٍ} مفعولٌ به. ومن مزيدةٌ فيه لاستغراق الجنس.
قوله: {ولو أعجبكَ} كقولِه: «أَعْطُوا السائل ولو على فَرَس» أي: في كل حال، ولو على هذه الحالِ المنافية.
قوله: {إلاَّ ما مَلَكَتْ} فيه أوجهٌ، أحدها: أنه مستثنى من النساء، فيجوز فيه وجهان: النصبُ على أصل الاستثناء، والرفعُ على البدل. وهو المختار. الثاني: أنه مستثنى من أزواج. قاله أبو البقاء. فيجوزُ أَنْ يكونَ في موضعِ نصبٍ على أصل الاستثناء، وأنْ يكونَ في موضع جَرّ بدلًا مِنْ هنَّ على اللفظِ، وأن يكونَ في موضع نصبٍ بدلًا مِنْ هُنَّ على المحلِّ.
وقال ابن عطية: إنْ كانَتْ ما مصدريةً فهي في موضعِ نصبٍ لأنه مِنْ غير الجنس. وليس بجيد؛ لأنه قال بعد ذلك: والتقديرُ: إلاَّ مِلْك اليمين. ومِلْك بمعنى مَمْلوك. انتهى. وإذا كان بمعنى مَمْلوك صار من الجنس، وإذا صار من الجنس لم يكن منقطعًا. على أنه على تقدير انقطاعه لا يَتَحَتَّمُ نصبُه بل يجوزُ عند تميم الرفعُ بدلًا، والنصبُ على الأصلِ كالمتصل، بشرط صحةِ توجُّهِ العاملِ إليه كما حَقَّقْتُه غيرَ مرة. وهذا يمكنُ توجُّهُ العاملِ إليهِ ولكنَّ اللغةَ المشهورةَ لغةُ الحجازِ: وهو لزومُ النصبِ في المنقطعِ مطلقًا كما ذكره أبو محمدٍ آنفًا.
قوله: {إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ} فيه أوجهٌ:
أحدها: أنها في موضعِ نصبٍ على الحالِ تقديرُه: إلاَّ مَصْحوبين بالإِذن. الثاني: أنها على إسقاطِ باءِ السببِ تقديرُه: إلاَّ بسببِ الإِذنِ لكم كقولِه: فاخْرُجْ به أي بسببه. الثالث: أنه منصوبٌ على الظرف. قال الزمخشري: إلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ: في معنى الظرف تقديره: إلاَّ وقتَ أَنْ يُؤْذَنَ لكم. و{غيرَ ناظرين} حالٌ مِنْ {لا تَدْخُلوا} وقع الاستثناء على الحالِ والوقتِ معًا، كأنه قيل: لا تَدْخُلوا بيوتَ النبيِّ إلاَّ وقتَ الإِذن، ولا تَدْخُلوا إلاَّ غير ناظرين إناه.
وردَّ الشيخُ الأولَ: بأنَّ النحاةَ نَصُّوا على أنَّ أنْ المصدريةَ لا تقعُ موقعَ الظرفِ. لا يجوز: آتيكَ أَنْ يصيحَ الديك وإن جاز ذلك في المصدرِ الصريح نحو: آتيك صياحَ الديك. ورَدَّ الثاني: بأنه لا يقعُ بعد إلاَّ في الاستثناء إلاَّ المستثنى أو المستثنى منه أو صفتُه. ولا يجوز في ما عدا هذا عند الجمهور. وأجاز ذلك الكسائيُّ والأخفش. وأجازا ما قام القومُ إلاَّ يومَ الجمعة ضاحِكِين.
و{إلى طعامٍ} متعلقٌ ب {يُؤْذَنَ} لأنه بمعنى: إلاَّ أن تُدْعَوا إلى طعام. وقرأ العامةُ {غيرَ ناظرين} بالنصب على الحال كما تقدم، فعند الزمخشري ومَنْ تابعه: العاملُ فيه {يُؤْذَنَ} وعند غيرِهم العاملُ فيه مقدرٌ تقديره: ادْخُلوا غيرَ ناظرين. وقرأ ابن أبي عبلة {غيرِ} بالجرِّ صفةً ل طعام. واستضعفها الناسُ مِنْ أجل عدمِ بروزِ الضميرِ لجريانِه على غيرِ مَنْ هُو له، فكان مِنْ حقِّه أَنْ يُقال: غيرَ ناظرين إناه أنتم. وهذا رأيُ البصريين. والكوفيون يُجيزون ذلك إن لم يُلْبَسْ كهذه الآيةِ. وقد تقدَّمَتْ هذه المسألةُ وفروعُها وما قيل فيها. وهل ذلك مختصٌّ بالاسمِ أو يَجْري في الفعل؟ خلافٌ مشهور قَلَّ مَنْ يَضْبِطُه.
وقرأ العامَّةُ {إناه} مفردًا أي: نُضْجَه. يقال: أَنَى الطعام إنىً نحو: قَلاه قِلىً. وقرأ الأعمشُ {آناءه} جمعًا على أفْعال فأُبْدِلَتْ الهمزةُ الثانية ألفًا، والياءُ همزةً لتطرُّفها بعد ألفٍ زائدةٍ، فصار في اللفظ كآناء من قوله: {وَمِنْ آنَاءِ الليل} [طه: 130] وإن كان المعنى مختلفًا.
قوله: {ولاَ مُسْتَأْنِسِين} يجوز أَنْ يكونَ منصوبًا عطفًا على {غيرَ} أي: لا تَدْخُلوها غيرَ ناظرين ولا مستأنِسين. وقيل: هذا معطوفٌ على حالٍ مقدرة أي: لا تدخُلوا هاجمين ولا مستأنِسين، وأنْ يَكونَ مجرورًا عطفًا على {ناظرين} أي: غيرَ ناظرين وغيرَ مُسْتَأْنسين.
قوله: {لحديثٍ} يُحتمل أَنْ تكونَ لامَ العلةِ أي: مستأنسين لأجل أَنْ يُحَدِّثَ بعضُكم بعضًا، وأن تكونَ المقوِّيةَ للعامل لأنه فرعٌ أي: ولا مُسْتأنسين حديثَ أهلِ البيت أو غيرِهم.
قوله: {إنَّ ذلكم} أي: إنَّ انتظارَكم واستئناسَكم فأُشير إليهما إشارةَ الواحدِ كقوله: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: 68]. أي: إنَّ المذكور. وقرئ: {لا يَسْتَحِي} بياءٍ واحدةٍ، والأخرى محذوفةٌ. واخْتُلِفَ فيها: هل هي الأولى أو الثانية؟ وتقدَّم ذلك في البقرة، وأنها روايةٌ عن ابن كثير. وهي لغةُ تميمٍ. يقولون: اسْتَحى يَسْتَحي، مثل: اسْتَقَى يَسْتقي. وأنشدْتُ عليه هناك ما سُمِع فيه.
قوله: {أَنْ تُؤْذُوا} هي اسمُ كان. و{لكم} الخبرُ. و{وَلاَ أَن تنكحوا} عطفٌ على اسم كان. و{أبدًا} ظرف.
قوله: {واتقين} عطف على محذوفٍ أي: امْتَثِلْن ما أُمِرْتُنَّ به واتَّقين.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}.
قوله: {وَمَلاَئِكَتَهُ} العامَّة على النصبِ نَسَقًا على اسم إنَّ. و{يُصَلُّون} هل هو خبرٌ عن الله وملائكتِه، أو عن الملائكةِ فقط، وخبرُ الجلالةِ محذوفٌ لتغايُرِ الصَّلاتَيْن؟ خلافٌ تقدَّم قريبًا. وقرأ ابنُ عباسٍ ورُوِيَتْ عن أبي عمروٍ {وملائكتُه} رفعًا، فيُحتمل أَنْ يكونَ عطفًا على محلِّ اسم إنَّ عند بعضهم وأَنْ يكونَ مبتدًا، والخبرُ محذوفٌ، وهو مذهبُ البصريين. وقد تقدَّم فيه بحثٌ نحو: زيدٌ ضاربٌ وعمرٌو أي ضاربٌ في الأرض.
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)}.
قوله: {يُؤْذُونَ الله} فيه أوجهٌ أي: يقولون فيه ما صورتُه أذىً، وإنْ كان سبحانه وتعالى لا يَلْحَقُه ضررُ ذلك حيث وصفُوْه بما لا يَليقُ بجلالِه: مِنِ اتِّخاذِ الأَنْداد، ونسبةِ الولد والزوجة إليه؛ وأَنْ يكونَ على حَذْفِ مضافٍ أي: أولياءَ الله. وقيل: أتى بالجلالةِ تعظيمًا، والمرادُ: يُؤْذُون رسولي كقولِه تعالى: {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} [الفتح: 10].
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)}.
قوله: {فَقَدِ احتملوا} خبرُ {والذين}. ودخلتِ الفاءُ لشِبْهِ الموصولِ بالشرط.
قوله: {يُدْنِينَ} كقوله: {قُل لِّعِبَادِيَ يُقِيمُواْ} [إبراهيم: 31] ومن للتبعيض.
قوله: {ذلك أَدْنَى} أي: إدناءُ الجلابيبِ أقربُ إلى عِرْفانهنَّ فعَدَمِ أذاهنَّ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}.
هذا تنبيةٌ لهن على حِفْظِ الحُرْمة وإثبات الرُّتْبَة، وصيانةٌ لهن، وأمرٌ لهن بالتصاونِ والتعفُّفِ. وقَرَن بذلك تهديده للمنافقين في تعاطيهم ما كان يشغل قلبَ الرسول صلى الله عليه وسلم، من الإرجاف في المدينة. اهـ.

.قال الجاوي:

والحرة لها أربع عورات:
إحداها: جميع بدنها إلا وجهها وكفيها ظهرًا وبطنًا، وهو عورتها في الصلاة فيجب عليها ستر ذلك في الصلاة حتى الذراعين والشعر وباطن القدمين.
ثانيتها: ما بين سرتها وركبتها وهي عورتها في الخلوة وعند الرجال المحارم وعند النساء المؤمنات.
ثالثتها: جميع البدن إلا ما يظهر عند المهنة وهي عورتها عند النساء الكافرات.
رابعتها: جميع بدنها حتى قلامة ظفرها وهي عورتها عند الرجال الأجانب فيحرم على الرجل الأجنبي النظر إلى شيء من ذلك، ويجب على المرأة ستر ذلك عنه، والمراهق في ذلك كالرجل فيلزم وليه منعه من النظر إلى الأجنبية ويلزمها الاحتجاب منه، ومثل المرأة في ذلك الأمرد الجميل الوجه والخنثى كالأنثى في جميع ما ذكر. اهـ.

.قال ابن عثيمين:

اعلم أيها المسلم أن احتجاب المرأة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دلَّ على وجوبه كتاب ربك تعالى وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، والاعتبار الصحيح والقياس المطرد.
أولًا: أدلة القران.
الدليل الأول:
قال الله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
وجه الدلالة من الآية على وجوب الحجاب على المرأة ما يلي:
أ- أن الله تعالى أمرالمؤمنات بحفظ فروجهن، والأمر بحفظ الفرج أمرٌ بما يكون وسيلة إليه، ولا يرتاب عاقل أن من وسائله تغطية الوجه لأن كشفه سبب للنظر إليها وتأمل محاسنها والتلذذ بذلك، وبالتالي إلى الوصول والاتصال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العينان تزنيان وزناهما النظر» ثم قال: «والفرج يصدق ذلك أويكذبه» رواه البخاري (6612) ومسلم (2657).
فإذا كان تغطية الوجه من وسائل حفظ الفرج كان مأمورًا به لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
ب- قال تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} والجيب هو فتحة الرأس والخمار ما تخمربه المرأة رأسها وتغطيه به، فإذا كانت مأمورة بأن تضرب بالخمار على جيبها كانت مأمورة بستر وجهها إما لأنه من لازم ذلك أو بالقياس، فإنه إذا وجب ستر النحر والصدر كان وجوب ستر الوجه من باب أولى لأنه موضع الجمال والفتنة.
ج- أن الله نهى عن إبداء الزينة مطلقًا إلا ما ظهر منها وهي التي لابد أن تظهر كظاهر الثياب ولذلك قال: {إلا ماظهر منها} لم يقل إلا ما أظهرن منها- وقد فسر بعض السلف: كابن مسعود، والحسن، وابن سيرين، وغيرهم قال تعالى: {إلا ما ظهر منها} بالرداء والثياب، وما يبدو من أسافل الثياب أي أطراف الأعضاء ثم نهى مرة أُخرى عن إبداء الزينة إلا لمن استثناهم فدل هذا على أنَّ الزينة الثانية غير الزينة الأُولى، فالزينة الأُولى هي الزينة الظاهرة التي تظهر لكل أحد ولايُمكن إخفاؤها والزينة الثانية هي الزينة الباطنة ومنه الوجه ولو كانت هذه الزينة جائزة لكل أحد لم يكن للتعميم في الأُولى والاستثناء في الثانية فائدة معلومة.
د- أن الله تعالى يُرخص بإبداء الزينة الباطنة للتابعين غير أُولي الإربة من الرجال وهم الخدم الذين لاشهوة لهم وللطفل الصغير الذي لم يبلغ الشهوة ولم يطلع على عورات النساء فدل هذا على أمرين:
1- أن إبداء الزينة الباطنة لايحل لأحدٍ من الأجانب إلا لهذين الصنفين.
2- أن علة الحكم ومدارة على خوف الفتنة بالمرأة والتعلق بها، ولاريب أن الوجه مجمع الحسن وموضع الفتنة فيكون ستره واجبًا لئلا يفتتن به أُولو الإربة من الرجال.
هـ- قوله تعالى: {ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يُخفين من زينتهن} يعني لا تضرب المرأة برجلها ليُعلم ما تخفيه من الخلاخيل ونحوها مما تتحلى به للرِجْل، فإذا كانت المرأة منهية عن الضرب بالأرجل خوفًا من افتتان الرجل بما يسمع من صوت خلخالها ونحوه فكيف بكشف الوجه.
فأيما أعظم فتنة أن يسمع الرجل خلخالًا بقدم إمرأة لايدري ماهي وما جمالها؟ ولايدري أشابة هي أم عجوز؟ ولايدري أشوهاء هي أم حسناء؟ أو ينظر إلى وجه جميل ممتلىء شبابًا ونضارة وحسنًا وجمالًا وتجميلًا بما يجلب الفتنة ويدعو إلى النظر إليها؟
إن كل إنسان له إربة في النساء ليعلم أي الفتنتين أعظم وأحق بالستر والإخفاء.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة النور: 60
وجه الدلالة من الآية على وجوب الحجاب على المرأة ما يلي:
أن الله تعالى نفى الجناح وهو الإثم عن القواعد وهن العجاوز اللاتي لا يرجون نكاحًا لعدم رغبة الرجال بهن لكبر سنهن بشرط أن لا يكون الغرض من ذلك التبرج والزينة. وتخصيص الحكم بهؤلاء العجائز دليل على أن الشواب اللاتي يرجون النكاح يخالفنهن في الحكم ولو كان الحكم شاملًا للجميع في جواز وضع الثياب ولبس درع ونحوه لم يكن لتخصيص القواعد فائدة.
ومن قال تعالى: {غير متبرجات بزينة} دليل آخر على وجوب الحجاب على الشابة التي ترجو النكاح لأن الغالب عليها إذا كشفت وجهها أنها تريد التبرج بالزينة وإظهار جمالها وتطلع الرجال لها ومدحها ونحو ذلك، ومن سوى هذه فنادر والنادر لا حكم له.